الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي
وقال وهب: وسعر: أي بعدٌ من الحق.{أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ} أأُنزل الوحي {الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} ترح مرح بطر متكبر يريد أن يتعظّم علينا بادّعائه النبوّة.وقال عبدالرَّحْمن بن أبي حماد: الأشِر الذي لا يبالي ما قال، وقرأ مجاهد {أَشِرٌ} بفتح الألف وضم الشين وهما لغتان مثل حَذِر وحَذُر ويَقِظ ويَقُظ وعَجِل وعَجُل ومَجِد ومَجُد الشجاع.{سَيَعْلَمُونَ} غداً بالتاء شامي، والأعمش ويحيى وابن ثوبان وحمزة وغيره بالياء، فمن قرأ بالتاء فهو من قول صالح لهم، ومن قرأ بالياء فهو من قول الله سبحانه، ومعنى الكلام: في الغد القريب على عادة الناس في قولهم للعواقب: إنّ مع اليوم غداً، وإنّ مع اليوم أخاه غداً، وأراد به وقت نزول العذاب بهم {مَّنِ الكذاب الأشر} قرأ أبو قلامة: مَن الكذاب الأشر بفتح الشين وتشديد الراء على وزن أفعل من الشر، والقراءة الصحيحة ما عليه العامة.قال أبو حاتم: لا يكاد العربي يتكلم بالأشَرّ والأخير إلا في ضرورة الشعر كقول رؤبة: إنّما يقولون: خير وشر. قال الله عز وجل {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] وقال سبحانه {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً} [يوسف: 77].{إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة} باعثوها ومخرجوها من الهضبة التي سألوا {فِتْنَةً} محنة {لَّهُمْ فارتقبهم} وانتظرهم وننظر ما هم صانعون {واصطبر} واصبر على ظلمهم وأذاهم، ولا تعجل حتى يأتيهم أمري، واصطبر: افتعل من الصبر، وأصل الطاء فيه تاء فحوّلت طاء لأجل الصاد.{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ المآء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} وبين الناقة بالسويّة لها يوم ولهم يوم، وإنّما قال: بينهم؛ لأن العرب إذا أخبرت عن بني آدم وعن البهائم غلّبوا بني آدم على البهائم. {كُلُّ شِرْبٍ} نصيب من الماء {مُّحْتَضَرٌ} يحضره من كانت نوبته، فإذا كان يوم الناقة حضرت شربها، وإذا كان يومهم حضروا شربهم، وقال مجاهد: يعني يحضرون الماء إذا غابت الناقة، وإذا جاءت حضروا اللبن.{فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ} قدار بن سالف وكان أشقر؛ ولذلك قيل له: أشقر ثمود {فَعَقَرَ} فتناول الناقة بسيفه فعقرها، ولذلك سمّيت العرب الجزار قداراً تشبيها به، وقال الشاعر: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} ثم بيّن عذابهم فقال عز من قائل: {إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر} قرأ الحسن وقتادة بفتح الظاء أراد الحظيرة، وقرأ الباقون بكسر الظاء أرادوا صاحب الحظيرة.قال ابن عباس: هو أن الرجل يجعل لغنمه حظيرة بالشجر والشوك دون السباع، فما سقط من ذلك فداسته الغنم فهو الهشيم، وقال قتادة: يعني كالعظام النخرة المحترقة وهي رواية العوفي عن ابن عباس ورواية أبي ظبيان عنه أيضاً، كحشيش يأكله الغنم، وقال سعيد بن جبير: هو التراب الذي يتناثر من الحائط. ابن زيد: هو الشجر البالي الذي تهشّم حتى ذرّته الريح، والعرب تسمّي كل شيء كان رطباً فيبس هشيماً.{وَلَقَد يَسَّرْنَا} هوّنا عليهم {القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ * كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بالنذر * إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً} ريحاً ترميهم بالحصباء، وهي الحصى، وقال بعضهم: هو الحجر نفسه.قال الضحّاك: يعني صغار الحصى، والحاصب والحصب والحصباء هي الحجر الذي دون ملء الكف، والمحصب الموضع الذي يرمى فيه الجمار، وقال سعيد بن المسيب: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأهل المدينة: حصّبوا المسجد، أي صبّوا فيه الحجارة.ثم استنثى فقال: {إِلاَّ آلَ لُوطٍ} أي أتباعه على دينه من أهله وأُمته {نَّجَّيْنَاهُم} من العذاب {بِسَحَرٍ} قال الأخفش: إنّما أجراه، لأنه نكرة، ومجازه: بسحر من الأسحار، ولو أراد بسحر يوم بعينه لقال: سحر غير مجرى، ونظيره قوله: {اهبطوا مِصْراً} [البقرة: 61].{نِّعْمَةً} يعني كان ذلك أو جعلناه نعمة {مِّنْ عِندِنَا} عليهم حيث أنجيناهم وأهلكنا أعداءهم {كَذَلِكَ} كما جزيناهم، لوطاً وآله {نَجْزِي مَن شَكَرَ} فآمن بالله وأطاعه.{وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ} لوط {بَطْشَتَنَا} أخذنا لهم بالعقوبة قبل حلولها بهم {فَتَمَارَوْاْ بالنذر} فكذبوا بإنذاره شكاً منهم فيه وهو تفاعل من المرية.{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ} طالبوه وسألوه أن يخلّي بينهم وبينهم. يقول العرب: راده تروده وارتاده وراوده يراوده نظيرها {وَرَاوَدَتْهُ التي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ} [يوسف: 23].{فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ} أي أعميناهم، وصيّرناها كساير الوجه لا يُرى لها شق، وذلك أنّهم لما قصدوا دار لوط عليه السلام وعالجوا بابه ليدخلوا، قالت الرسل للوط: خلِّ بينهم وبين الدخول فإنّا رسل ربك لن يصلوا إليك، فدخلوا الدار فاستأذن جبريل ربّه عزّ وجل في عقوبتهم فأذن له فصفقهم بجناحه، فتركهم عمياً يترددون متحيرين لا يهتدون إلى الباب، وأخرجهم لوط عمياً لا يبصرون. هذا قول عامة المفسّرين، وقال الضحّاك: طمس الله على أبصارهم فلم يروا الرسل وقالوا: قد رأيناهم حين دخلوا البيت فأين ذهبوا؟، فلم يروهم ورجعوا {فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ}.{وَلَقَدْ صَبَّحَهُم} جاءهم العذاب وقت الصبح {بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ} دائم عام استقر فيهم حتى يُقضى بهم إلى عذاب الآخرة.{فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ * وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ النذر} يعني موسى وهارون عليهما السلام.{كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا} التسع {كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ} بالعذاب {أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} قادر لا يعجزه ما أراد، ثم خوّف أهل مكة فقال عز من قائل: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ} الذين أحللت بهم نقمتي من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون {أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ} من العذاب {فِي الزبر} الكتب تأمنون.{أَمْ يَقُولُونَ} يعني كفار مكة {نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} أي جماعة لا ترام ولا تضام، ولا يقصدنا أحد بسوء، ولا يريد حربنا وتفريق جمعنا إلا انتقمنا منهم، وكان حقّه: منتصرون فتبع رؤوس الآي.{سَيُهْزَمُ الجمع} قراءة العامة على غير تسمية الفاعل، وقرأ يعقوب بالنون والنصب وكسر الزاي، وفتح العين على التعظيم {وَيُوَلُّونَ الدبر} أي الأدبار، فوحّد والمراد الجمع لأجل رؤوس الآي، كما يقال: ضربنا منهم الرؤوس، وضربنا منهم الرأس، إذا كان الواحد يؤدي عن معنى جميعه، فصدق الله سبحانه وتعالى وعده وهزمهم يوم بدر.قال مقاتل: ضرب أبو جهل فرسه فتقدم يوم بدر في الصف وقال: نحن منتصر اليوم من محمد وأصحابه.قال سعيد بن المسيب: سمعت عمر بن الخطاب لمّا نزلت {سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر}: كنت لا أدري أي جمع نهزم، فلمّا كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في درعه ويقول: {سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر}.{بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ} جميعاً {والساعة أدهى وَأَمَرُّ} أعظم بليّة وأشدّ مرارة من عذاب يوم بدر.أخبرني الحسين بن محمد قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف قال: حدّثنا محمد بن إبراهيم بن زياد، قالد حدّثنا أبو مصعب قال: حدّثنا مجرد بن هارون عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال سبعاً ما ينتظرون هل هو إلاّ فقر منسي أو غنى مطع أو مرض مفسد أو كبر معند أو موت مجهز، والدجال شر مستطر، والساعة والساعة أدهى وأمرّ».{إِنَّ المجرمين} المشركين {فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ} قال الضحاك: يعني ناراً ستعرض عليهم. قال الحسين بن الفضل: إن المجرمين في ضلال في الدنيا ونار في الآخرة، وقال ابن كيسان: بُعْدٌ من الحق، وقيل: جنون، وقال قتادة في عناء وعذاب، ثم بيّن عذابهم، فقال: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ} يُجرّون {فِي النار على وُجُوهِهِمْ} ويقال لهم: {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} وإنّما هو كقولك: ذق المر السياط.{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ} بالنصب قراءة العامة، وقرأ أبو السماك العدوي بالرفع {خَلَقْنَاهُ بِقَدَر} قال الحسن: قدر الله لكل شيء من خلقه قدره الذي ينبغي له، وقال الربيع: هو كقوله: {قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق: 3] أي أجلا لا يتقدم ولا يتأخر، وقال ابن عباس: إنّا كل شيء جعلنا له شكلا يوافقه ويصلح له، فالمرأة للرجل، والأتان للحمار، والرمكة للفرس، وثياب الرجال للرجال لا تصلح للنساء، وثياب النساء لا تصلح للرجال وكذلك ما شاكلها على هذا.وروى علي بن أبي طلحة عنه قال: خلق الله سبحانه الخلق كلّهم بقدر، وخلق لهم الخير والشر فخير الخير السعادة، وشر الشر الشقاوة.
أي وسعت خرقها.وقرأ الأعرج وطلحة {ونُهُر} بضمتين كأنها جمع نُهار يعني لا ليل لهم.قال الفراء: أنشدني بعض العرب: أي صاحب نهار، وقال الآخر: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} في مجلس حق لا لغو فيه ولا مأثم وهو الجنة {عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} ملك قادر و{عند} إشارة إلى القربة والرتبة.قال الصادق: مدح الله المكان بالصدق فلا يقعد فيه إلاّ أهل الصدق.أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا موسى بن محمد قال: حدّثنا الحسن بن علويه قال: حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال: حدّثنا المسيب بن إبراهيم البكري عن صالح بن حيان عن عبدالله بن بريده أنّه قال في قوله سبحانه وتعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}: إنّ أهل الجنة يدخلون كل يوم على الجبار تبارك وتعالى فيقرأون عليه القرآن، وقد جلس كل امرئ منهم مجلسه الذي هو يجلسه على منابر الدر والياقوت والزمرد والذهب والفضة باعمالهم، فلم تقرّ أعينهم بشيء قط كما تقرّ أعينهم بذلك، ولم يسمعوا شيئاً أعظم ولا أحسن منه، ثم ينصرفون إلى رحالهم ناعمين، قريرة أعينهم إلى مثلها من الغد.وأخبرني الحسين قال: حدّثنا سعد بن محمد بن أبي إسحاق الصيرفي قال: حدّثنا محمد ابن عثمان بن أبي شيبة قال: حدّثنا زكريا بن يحيى قال: حدّثنا عمرو بن ثابت عن أبيه عن عاصم بن ضمرة عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً في مسجد المدينة، فذكر بعض أصحابه الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله لواءً من نور وعموداً من زبرجد خلقهما قبل أن يخلق السماوات بألفي عام، مكتوب على رداء ذلك اللواء: لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله، محمد خير البرية، صاحب اللواء أمام القوم» فقال علي: الحمد لله الذي هدانا بك وكرّمنا وشرفنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم«يا علي أما علمت أن من أحبنا وانتحل محبتنا أسكنه الله تعالى معنا وتلا هذه الآية {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}».وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن ماجة قال: حدّثنا الحسن ين أيوب. قال: حدّثنا عبد الله بن أبي زياد. قال: حدّثنا سيار قال: حدّثنا رياح القيسي عن ثور قال: بلغنا أن الملائكة يأتون المؤمنين يوم القيامة فيقولون: يا أولياء الله انطلقوا، فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة، فيقولون: إنكم لتذهبون بنا إلى غير بغيتنا، فيقال لهم: وما بغيتكم؟ فيقولون: المقعد مع الحبيب.وسمعت أبا القاسم يقول: سمعت أبا محمد أحمد بن محمد بن إبراهيم البلاذري يقول: سمعت بكر بن عبد الرَّحْمن يقول: كان ذو النون المصري يحضّ أصحابه على التهجّد وقيام الليل. فإذا أحسّ منهم فترة قال: كدّوا يا أولياء الله، فإن للأولياء في الجنة مقعد صدق يكشف حجب يوم يرون الجليل حقّاً.
|